بحث هذه المدونة الإلكترونية

مهرجان الجنادرية





أ/ مشعل هويدي الشمري
رئيس مركز الدراسات العامة


يعد المهرجان الوطني للتراث والثقافة المعروف شعبيًا ب "مهرجان الجنادرية" من أبرز الأنشطة الثقافية في بلادنا والتي يترقبها أغلب الناس من عام إلى عام. وقد كان وراء نجاح هذا المهرجان الرعاية الكريمة والدعم والمتابعة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله. وقد بلغت شهرة هذا المهرجان وقيمته الثقافية درجة تجاوزت الاهتمام الجماهيري إلى الاهتمام الأكاديمي. ويعتبر مهرجان الجنادرية مصدرًا لكثير من المعلومات المتصلة بثقافة الجزيرة العربية في عدد من الجامعات العربية والأجنبية. ففي المعجم الموسوعي الخاص بتراث العالم وعاداته وتقاليده الذي ألفه الباحث الأمريكي من أصل عربي البروفيسور حسن الشامي عام 2005هناك عدد من المواد الثقافية الخاصة بالجزيرة العربية مأخوذة من مصادر بعضها شفهي وبعضها مدوّن أو مصوّر مما كان لمهرجان الجنادرية دور مهم في إبرازه وجعله متاحًا.
والحقيقة أن من يتذكر بدايات الجنادرية في عام 1405ه ويقارن ذلك بما آل إليه حال المهرجان اليوم، سيلاحظ من خلاله مقدار التطور الحضاري الذي مرت به بلادنا والنقلة الشمولية التي توضحها عناصر المهرجان وعروضه. ذلك أن المهرجان يعكس ثقافة مجتمعنا وحضارة بلادنا ببعديها التراثي والمعاصر. ففي الوقت الذي نجد المقتنيات الأثرية والحرف اليدوية والفنون التراثية والعمران القديم، نشاهد كذلك التقنية الحديثة والهندسة العمرانية الحديثة والمصانع والمنجزات الحضارية المختلفة التي لا تغيب عن عين من يزور مدينة الرياض بمناسبة هذا المهرجان.
جدير بالذكر أن بعض ضيوف الجنادرية الذين قدموا إلى بلادنا في الثمانينيات الميلادية سجلوا انطباعات إيجابية عن رؤيتهم للمهرجان ولمستقبل بلادنا. يقول أحد الأساتذة المختصين بالفلكلور والدراسات الثقافية في جامعة إنديانا وهو الدكتور حسن الشامي الذي كان أحد الضيوف في الثمانينيات بأنه لمس في ذلك الوقت الرغبة الصادقة التي تدفع السعوديين بشكل حيقي نحو بناء تقنية وحضارة ترتكز على أسس متينة متصلة بالتراث من جهة وبالتقنية الحديثة من جهة أخرى. ويرى بأن مهرجان الجنادرية يقوم بمهمة أساسية في الكشف عن قدرة السعودية بوصفها مركز العرب على المضي قدمًا في التطوير والتحديث دون نسيان الماضي أو إهماله.
ويقول بأنه لمس من خلال تلك الزيارة ملامح النجاح في البناء والتطوير التي أثبتتها السنوات اللاحقة. ومن تلك الملامح التصوّر الإيجابي للمهرجان في انفتاحه على مختلف المعطيات الثقافية؛ فإذا كان هناك اهتمام بالشعر الشعبي والعامّة، فكذلك يوجد اهتمام بالشعر الفصيح والنخبة. وإذا كان هناك رقصات شعبية وأهازيج، فهناك موسيقى حديثة ودراما وتصوير. وإذا وجدت هناك عروض شعبية وصناعات تقليدية، فثمة معارض فنية ومسرحيات وعروض بالكمبيوتر. وإن كانت هناك بيوت طينية وخيام، فهناك بيوت على طراز معماري حديث.
والحقيقة أن المهرجان قد نجح في تحقيق التمازج بين العناصر الثقافية القديمة وبين المعطيات الحديثة. وهو تمازج واع ومتقن؛ وبقدر ما يبعث على البهجة فإنه يكشف عن الأسلوب الناجح في بناء شخصية تسير نحو المستقبل بخطى واثقة دون أن يحدّ الماضي من تقدمها. ولا شك أن هذه الاستراتيجية التي عني بها مهرجان الجنادرية تعدّ خير محفز لأبناء البلد للإنجاز المتميز في مختلف حقول المعرفة.
ومما تنبغي الإشارة إليه أن هذا الضيف صاحب الانطباع السابق لم يزر المملكة منذ الثمانينيات، ومع هذا فإنه يتوقع نهضة كبيرة في بلادنا خلال السنوات العشرين الماضية يستنبطها ممن يعرفهم في أمريكا من الطلاب والأساتذة السعوديين.
ولعله من المفيد للمهرجان أن يقيم علاقة مع ضيوفه القدماء وخاصة ممن لم يحضروا إلا مرة واحدة في زمن سابق ويدعوهم مرة أخرى لكي يروا بأنفسهم التطوّر الذي مرت به بلادنا خلال السنوات العشرين الماضية. والواقع أن المنفعة العلمية والثقافية من حضور هؤلاء العلماء والمفكرين ليست مقصورة على المهرجان فحسب، بل إنها تمتد إلى المؤسسات العلمية والثقافية الأخرى كالجامعات والأندية الثقافية والجمعيات العلمية والمؤسسات المعنية بالمعرفة. ذلك أن حضور الباحثين المتمكنين في حقولهم المعرفية سوف يجلب الفائدة من خلال المحاضرات والندوات التي يقدمونها أو من خلال احتكاك المؤسسات التعليمية والثقافية والجمهور بهم خلال فترة حضورهم إلى الرياض.
والواقع أنه يمكن استثمار وقت الضيوف طوال مدة المهرجان بشكل جيد؛ وذلك حينما يوجد برنامج عملي بالتنسيق مع الجامعات والجهات الأخرى للاستفادة من الضيوف بحسب تخصصاتهم واهتماماتهم الفكرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق