أ/ عبدالعزيز عبدالله المغيولي مدرب رياضيات |
أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد (1126م - 1198م) (520هـ- 595هـ) ولد في قرطبة هو فيلسوف، وطبيب، وفقيه، وقاضي، وفلكي، وفيزيائي مسلم. نشأ في أسرة من أكثر الأسر وجاهة في الأندلس والتي عرفت بالمذهب المالكي، حفظ موطأ مالك، وديوان المتنبي.ودرس الفقه على المذهب المالكي والعقيدة على المذهب الأشعري. يعد ابن رشد من أهم فلاسفة الإسلام. دافع عن الفلسفة وصحح علماء وفلاسفة سابقين له كابن سينا والفارابي في فهم بعض نظريات أفلاطون وأرسطو. قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيباً له ثم قاضياً في قرطبة . تولّى ابن رشد منصب القضاء في أشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، تعرض ابن رشد في آخر حياته لمحنة حيث اتهمه علماء الأندلس والمعارضين له بالكفر و الإلحاد ثم أبعده أبي يعقوب يوسف إلى مراكش وتوفي فيها (1198م).
كان ابن رشد مغرماً بعلوم الفلك منذ صغره، فكان يلاحظ الفلكيون حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام، وحين بلغ عمره الخامسة والعشرون بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش والتي من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة، واكتشف نجماً لم يكتشفه الفلكيين الأوائل. وكان ابن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة، فكان يناقش نظريات بطليموس بل أنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطي تفسيرات فضلى لحقيقة الكون، وقدم للعالم تفسيراً جديداً لنظرية رشدية جديدة سميت "اتحاد الكون النموذجي". ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب أن قال: من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية، فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة.
ثم انطلق يقدم الانتقادات الحصيفة حيال بعض الفرضيات التي قدمها الفلكيون في عصره. ثم قام بالمشاركة بوصف القمر بالغير الواضح والغامض، وقال بأنه يحمل طبقات سميكة وأخرى أقل سماكة وتجتذب الطبقات السميكة نور الشمس أكثر من الطبقات الأقل سمكاً. وقدم للعالم وللغرب أول التفسيرات البدائية والقريبة علمياً لأشكال البقع الشمسية.
انطلق ابن رشد في آرائه الأخلاقية من مذهبَي أرسطو وأفلاطون، فقد إتفق مع أفلاطون أن الفضائل الأساسية الأربع هي (الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة)، لكنه اختلف عنه بتأكيده أن فضيلتي العفة والعدالة عامتان لكافة أجزاء الدولة (الحكماء والحراس والصناع)، وهذه الفضائل كلها توجد من أجل السعادة النظرية، التي هي المعرفة العلمية الفلسفية، المقصورة على "الخاصة". وقد قَصَرَ الخلود على عقل البشرية الجمعي الذي يغتني ويتطور من جيل إلى آخر. وقد كان لهذا القول الأخير دورٌ كبير في تطور الفكر المتحرِّر في أوروبا في العصرين الوسيط والحديث. وأكد ابن رشد على أن الفضيلة لا تتم إلا في المجتمع، وشدَّد على دور التربية الخلقية، وقد بسط ابن رشد أهم آرائه الأخلاقية من خلال شروحه على الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو وجوامع السياسة لأفلاطون. وأناط بالمرأة دورًا حاسمًا في رسم ملامح الأجيال القادمة، فألحَّ على ضرورة إصلاح دورها الاجتماعي في إنجاب الأطفال والخدمة المنزلية. وقد قال بعض الباحثين" لقد تساءل الفيلسوف ابن رشد في القرن الثاني عشر الميلادي وهو يعاين انطفاء آخر أنوار الحضارة العربية التي سمت في الشرق الأوسط وأسبانيا إلى ذرى شاهقة عما إذا لم يكن هذا الانحطاط يرجع حزئياً على الأقل إلى الوضع الذي حبست فيه المرأة، وإلى انتباذها خارج الحياة الاجتماعية.
عُرٍف ابن رشد في الغرب بتعليقاته وشروحه لفلسفة وكتابات أرسطو والتي لم تكن متاحة لأوروبا اللاتينية في العصور الوسطى المبكرة. وقبل عام 1100م كان عدد قليل من كتب أرسطو عن المنطق هو الذي تم ترجمته إلى اللغة اللاتينية على يد الفيلسوف المسيحي بوتيوس Boethius، على الرغم من أن أعمال أرسطو الكاملة كانت معروفة في بيزنطة. ثم بعد أن إنتشرت الترجمات اللاتينية للأعمال الأخرى لأرسطو من اليونانية والعربية في القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين أصبح أرسطو أكثر تأثيراً على الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى. وقد ساهمت شروح ابن رشد على ازدياد تأثير أرسطو في الغرب في العصور الوسطى. وفي أوروبا العصورالوسطى أثرت مدرسة ابن رشد في الفلسفة، والمعروفة باسم الرشدية تأثيراً قوياً على الفلاسفة المسيحيين من أمثال توما الأكويني، والفلاسفة اليهود من أمثال موسى بن ميمون وجرسونيدوس. وعلى الرغم من ردود الفعل السلبية من رجال الدين اليهودي والمسيحي إلا أن كتابات ابن رشد كانت تدرس في جامعة باريس وجامعات العصور الوسطى الأخرى، وظلت المدرسة الرشدية الفكر المهيمن في أوروبا حتى القرن السادس عشر الميلادي. وقد قدم كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال تبريراً للتحرر من العلم والفلسفة من اللاهوت الأشعري، وبالتالي إعتبرت الرشدية تمهيداً للعلمانية الحديثة.
وقد كتب جورج سارتون أبو تاريخ العلوم ما يلي:
" ترجع عظمة ابن رشد إلى الضجة الهائلة التي أحدثها في عقول الرجال لعدة قرون. وقد يصل تاريخ الرشدية إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي، وهي فترة من أربعة قرون تستحق أن يطلق عليها العصور الوسطى، حيث أنها كانت تعد بمثابة مرحلة انتقالية حقيقية بين الأساليب القديمة والحديثة."[16]
وقد عكف ابن رشد على شرح أعمال أرسطو ثلاثة عقود تقريباً، وكتب تعليقات على جل فلسفاته ما عدا كتاب السياسة حيث لم يكن متاحاً لديه. وقد كانت أعمال ابن رشد الفلسفية أقل تأثيراً على العالم الإسلامي في العصور الوسطى منها على العالم المسيحي اللاتيني وقتها، كما يدل على ذلك حقيقة أن الأصل العربي لكثير من أعماله لم يعش، بينما ظلت الترجمات اللاتينية والعبرية موجودة. ومع ذلك فإن أعماله وعلى وجه التحديد موضوعات الفقه الإسلامي والتي لم تترجم إلى اللاتينية أثرت بالطبع في العالم الإسلامي بدلاً من الغرب. وقد تزامنت وفاته مع وجود تغيير في ثقافة الأندلس. والترجمات العبرية لأعماله كان لها تأثيراً لا ينسى على الفلسفة اليهودية، خاصةً الفيلسوف اليهودي جرسونيدس Gersonides الذي كتب شروحاً فرعية على العديد من أعمال ابن رشد. وفي العالم المسيحي إستوعب فلسفته سيجار البرابانتي Siger of Brabant وتوما الأكويني وغيرهم (وخصوصاً في جامعة باريس) من المجالس المسيحية التي قدرت المنطق الأرسطي. وقد اعتقد بعض الفلاسفة مثل توما الأكويني أن ابن رشد بلغ مكانة من الأهمية لدرجة أنهم لم يكن يشيرون له باسمه بل يدعونه ببساطة "المعلق" أو "الشارح"، وكان يطلقون على أرسطو "الفيلسوف". وتأثراً بفلسفات ابن رشد فقد أسس الفيلسوف الإيطالي بيترو بمبوناتسي Pietro Pomponazzi مدرسة عرفت باسم "المدرسة الأرسطية الرشدية.
أما عن علاقته بأفلاطون فقد لعبت رسالة ابن رشد وشرحه لكتاب أفلاطون "الجمهورية" دوراً رئيسياً في نقل وتبني التراث الأفلاطوني في الغرب، وكان المصدر الرئيسي للفلسفة السياسية في العصور الوسطى.
من ناحية أخرى كان العديد من اللاهوتيين المسيحيين يخشون فلسفته حتى أنهم إتهموه بالدعوة إلى "الحقيقة المزدوجة" ورفضه المذاهب التقليدية التي تؤمن بالخلود الفردي، وبدأت تنشأ أقاويل وأساطير واصفة اياه بالكفر والإلحاد في نهاية المطاف، وإستندت هذه الإتهامات إلى حد كبير على التأويل الخاطئ لأعماله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق